د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
يذكر أن حليمة السعدية أرضعت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرضعت كذلك أولادها فصاروا أخوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أشهر هؤلاء الشيماء.
يذكر أن حليمة السعدية أرضعت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأرضعت كذلك أولادها الثلاثة: عبد الله، وأُنَيْسَة، وحذافة (جُدامة) الشهيرة بالشيماء، فصاروا أخوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أشهر هؤلاء الشيماء، وعلى الأغلب أسلمت، واشتهر أمرها بين المسلمين لوجود بعض الأعمال الأدبية عنها، أشهرها قصة لعلي أحمد باكثير (الشيماء شادية الإسلام مسرحية شعرية) حُوِّلَت إلى عمل فني.
كلُّ ما ورد عن الشيماء لا يرقى إلى الصحيح من ناحية السند، ولكن بالكاد يكون حسنًا إذا اجتمع بعضه إلى بعض
من هذه الروايات الضعيفة والمرسلة يمكن تبيُّن الآتي:
أولًا: الشيماء ولدت قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت تحضنه مع أمها، يعني على الأقل أكبر منه بخمس أو ست سنوات.
ثانيًا: أول ظهور للشيماء في أحداث السيرة كان بعد غزوة حنين، وهذا يعني أنها لم تهاجر إلى المدينة، إنما أتت بها خيول المسلمين أسيرة بعد سرية أوطاس بقيادة أبي عامر الأشعري بعد حنين، وكانت في هذه المرحلة تبلغ 65 سنة أو أكثر.
ثالثًا: كان اللقاء الأول والوحيد تقريبًا بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بعد حنين، وكان كالتالي:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بِجَادٍ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَلَا يُفْلِتَنَّكُمْ، وَكَانَ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا، فَلَمَّا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ سَاقُوهُ وَأَهْلَهُ، وَسَاقُوا مَعَهُ الشَّيْمَاءَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَعَنُفُوا عَلَيْهَا فِي السِّيَاقِ، فَقَالَتْ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعَلَمُوا وَاَللَّهِ أَنِّي لَأُخْتُ صَاحِبِكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهَا حَتَّى أَتَوْا بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السَّعْدِيُّ (تابعي ثقة)، قَالَ: فَلَمَّا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُخْتُكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، قَالَ: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: عَضَّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَامَةَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ، وخيَّرها، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتِ فَعِنْدِي مُحَبَّةٌ مُكْرَمَةٌ، وَإِنْ أَحْبَبْت أَن أمتِّعك وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِكَ فَعَلْتُ، فَقَالَتْ: بَلْ تُمَتِّعُنِي وَتَرُدُّنِي إلَى قَوْمِي. فَمَتَّعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَّهَا إلَى قَوْمِهَا. فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنَّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ، وَجَارِيَةً، فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مِنْ نَسْلِهِمَا بَقِيَّةٌ.
وفي دلائل النبوة للبيهقي عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (ضعيف)، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ هَوَازِنَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أُخْتُكَ، أَنَا شَيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَقَالَ لَهَا: «إِنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَإِنْ يَكُ مِنِّي أَثَرًا لَنْ يَبْلَى»، قَالَ: فَكَشَفَتْ عَنْ عَضُدِهَا ثُمَّ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ حَمَلْتُكَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ فَعَضَضْتَنِي هَذِهِ الْعَضَّةَ، فَبَسَطَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ قَالَ: «سَلِي تُعْطَيْ، وَاشْفَعِي تُشَفَّعِي».
رابعًا: لم يُشْتَهر عن الشيماء غناء ولا شعر إلا بعض الأبيات اليسيرة التي كانت تغنِّيها لمحمد صلى الله عليه وسلم في طفولته لو صحَّت.
خامسًا: لم تتزوَّج الشيماء من بجاد السعدي، بل جاء في رواية الواقدي وهو ضعيف أن نسوة بني سعد كلموها في أن تكلَّم الرسول صلى الله عليه وسلم في شأنه، وهذا يؤكِّد انها ليست زوجته.
سادسًا: لم يَرِد ذكر بجاد في الصحابة في أيٍّ من المصادر التي تتناول ذلك، وجزم الصالحي بأنه لم يسلم، وعلى الأغلب قُتِل كافرًا.
سابعًا: الروايات في إسلام حليمة السعدية، وزوجها الحارث، ضعيفة، ومع ذلك بمجموعها، وكثرة طرقها، يمكن القول بأنهما أسلما، والكلام نفسه يُقَال على ابنهما عبد الله، ومن الجدير بالذكر أن قدوم حليمة، وزوجها، وابنها عبد الله، على الرسول صلى الله عليه وسلم، لو صحَّ، فإنه كان بعد حنين أيضًا، ويكون عمر حليمة قد تجاوز التسعين.
وورد عند الواقدي أن الشيماء ذكرت أن حليمة وزوجها ماتا مبكرًا، ولكن هذا ضعيف، وقد انفرد به الواقدي فلا يؤخذ به.
الخلاصة أن قصة الشيماء ليست فيها معلومات كثيرة، ولا يقوى الصحيح منها على بناء تصوُّر عن حياتها، وبالتالي لا ينبغي أخذ المعلومات من المصادر الدرامية، والأغلب أنها أسلمت، وأمها، وأبوها، وأخوها عبد الله، والله أعلم[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك